لا عجب أن تفكر قيادتنا العسكرية في الحلول الأمنية وتتخذها سبيلا
للتعاطي مع مطالب الشعب وطموحاته، ذلك أنها تكونت عليها ونهلت منها حتى ارتوت، فلم
تعد تعرف غيرها من سياسة.
العجب كل العجب أن نجد نظامنا بشقه المدني يفكر بنفس العقلية
ويتعاطى بها هو الآخر، ربما لأنه ديكور سمج في لوحة النظام الرديئة، أو لأن الرعية
على قلب الأمير، وليس للأخير عندنا من رعية بالمعنى "السياسي" غير
أزلامه المصفقين..!!
العجب أيضا كل العجب أن تنتهج هذه السياسية في زمن الثورات وتحرر
الشعوب، وكأن نظامنا "البوليسي" لم يشاهد ما يجري حوله وبعيدا عنه، وما
آلت إليه السياسة القمعية في البلاد العربية الثائرة.
في زمن الثورات تسد أبواب الجامعة الأبية، لا لشيء سوى أن طلابها
احتجوا على تردي أوضاعهم وإهدار حقوقهم، في سياسة أمنية مكشوفة تستهتر بالعلم، ولا
تقيم وزنا للتحصيل، لا غرابة أن يتخذ "أبو بدر" هذا القرار، لأن من لم
يحفل بتعليم أبناء صلبه لا يمكن أن يحفل بتعليم أبناء شعبه، ولأن فاقد الشيء لا
يعطيه، لكن أين أساتذة الجامعة وأين دكاترتها العباقرة من هذا الرأي "البوليسي"
السفيه..؟!
وأين هم من قرار طرد الطلاب المناضلين بشكل تعسفي يعيدنا إلى عهود
الظلام والإقصاء؟؟ أو ليست لهم كلمة في جامعتهم..؟؟ نعم جامعتهم وجامعة الطلاب
والشعب وليست جامعة "الرئيس" ولا أبيه ولا نجله، حتى يسدها متى شاء
ويفتحها متى شاء، وينظم فيها المحاكمات ويقتحم حصونها العلمية الصامدة بشرطته
الجاهلة متى شاء..!!
في زمن الثورات يعسكر المعهد العالي ـ أقدم مؤسسة للتعليم العالي
في البلدـ وتسد أبواب التسجيل فيه إيذانا "بالوأد الخفي" أو الظاهر على
الأصح.. ثم ينكل أشد التنكيل بمن يحتج على القرار "العالي" بالإغلاق..
في سياسة أمنية قمعية مقيتة لم يجرء حتى نظام "ولد الطايع" ولا مديره
البلدوزر "الدح" على انتهاجها، لأن الاثنين كانا على الأقل يحسبان
للطلاب حسابهم، ويستعيذان من
غضبتهم صباح مساء، أما صاحب النياشين الصفراء فإنه لم يدع حمى إلا
استباحه، حتى ولو كان حمى الطلاب المستعصي على التدجين والإخضاع.
في زمن الثورات تحتجز السفارة الموريتانية في المملكة المغربية
الأمين العام لاتحاد الطلبة والمتدربين الموريتانيين بالمغرب مع طلاب الدكتوراه
والماستر المعتصمين فيها، وتغلق عليهم أبوابها وتستعدي عليهم الشرطة المغربية،
محولة مقرها إلى سجن كبير بدل أن يكون قلعة للدبلوماسية وخدمة مصالح البلد، التي
ليس أقلها أهمية تسجيل أبناء الشعب الموريتاني الشغوف بالعلم والتحصيل.
ثم في الأخير يأمر السفير "الجديد" الأجانب (الشرطة
المغربية) بالاعتداء على المواطنين ممثلين في الطلاب، هذه بدايته مع الجالية فكيف
ستكون النهاية..؟؟ وعن أية عقلية أمنية يصدر يا ترى؟؟
على أن السفارة ليست سوى "جوقة" في سيمفونية السياسة
الخارجية العرجاء التي لم تبن يوما ـ في عهد هذا النظام ـ على أصول
"الاستراتيجة" ولا حفلت بالمبادئ الدبلوماسية العريقة، فلا غرو أن تتصرف
على هذا النحو، سيما وأن النظام لا يكترث بشأن تعليم "الخاصة" أحرى
"العامة" ولا يهمه إن كانت مئات الأسر الموريتانية قد ابتعثت أبناءها
على حسابها ـ بعد أن بخلت عليهم القيادة البخيلة بالمنح ـ للدراسة في الخارج، لأن
هذا النظام باختصار معقد من كلما يتصل بالتعليم، ويمقت أشد المقت حملة الشهادات!!.
في زمن الثورات يختطف جندي موريتاني باسل من طرف تنظيم القاعدة، فلا يجد من تعاطي الحكومة مع ملفه إلا تهكم وتنكيت وزير الخارجية، وتفجع أمه فلا تجد إلا التهديد خفية من طرف النظام بالتخلي الكلي عن ملفه إن هي دافعت عنه مع المعارضة، وكأن الجيوش قد جيشت للبحث عنه ولا تنتظر سوى الأوامر..!!
في زمن الثورات يختطف جندي موريتاني باسل من طرف تنظيم القاعدة، فلا يجد من تعاطي الحكومة مع ملفه إلا تهكم وتنكيت وزير الخارجية، وتفجع أمه فلا تجد إلا التهديد خفية من طرف النظام بالتخلي الكلي عن ملفه إن هي دافعت عنه مع المعارضة، وكأن الجيوش قد جيشت للبحث عنه ولا تنتظر سوى الأوامر..!!
في زمن الثورات تقمع المسيرات المنادية بالحقوق صباح مساء.. تقمع
حركات 25 فبراير و"لا تلمس جنسيتي" و "الحركة الانعتاقية"
ويمنع رجل وطني كبير وعائلته من دخول الوطن ولو لعيادة والده الذي توفي في نفس
الأيام ـ رحمه الله ـ ربما حزنا على حال البلاد وما وصلت إليه..
يجند النظام أحد قادة الحركة الانعتاقية ـ على خلافي وخلاف
الكثيرين معها في الأسلوب والمنهج ـ من أجل طعنها في الظهر وفبركة التهم في حقها،
فينقلب السحر على الساحر، ويجلس الرجل أمام الصحافة بحضرة رجال الأمن الذين نظموا
المؤتمر الصحفي، كاشفا أوراق النظام و"حلوله الأمنية" الرديئة.
إن على النظام أن يستفيق.. ويدرك أننا في زمن الثورات وانتزاع
الحريات، هذه سنة 2012 وليست 1970 ، هذا عهد الديمقراطية والتعددية وليس عهد
المخابرات والحزب الواحد وعقلية الكي جي بي والبوليس السياسي وغيرها من
العقليات النزقة.
هذا زمن الدولة المدنية الانفتاحية التشاركية، وليس زمن
"العسكرتاريا" والقمع والإقصاء.
عقارب الساعة لا ولن تعود للوراء ومكاسب الحريات التي انتزعها
الشعب الموريتاني عبر نضالاته الطويلة والمريرة لن تنتزع منه تحت أي ظرف، عليك أن
"تفهم" وتعتبر أيها النظام قبل فوات الأوان
* طالب دراسات عليا بالمملكة المغربية
هناك تعليق واحد:
لكزس
إرسال تعليق