|
بقلم :محمد جبريل |
ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات مطالبة باجتثاث ظاهرة الرق والظلم الإجتماعي الذي مورس بشكل عنيف في الماضي البعيد من تاريخ مجتمع البيظان وبطريقة أو أخرى في عصر الدولة الموريتانية الحديثة وبغض النظر عن الأسباب وشرعيتها فإن الظاهرة ولدت نوعا من الإزدواجية في إيجاد حل لها بين دولة شرعت قوانين للقضاء على ظاهرة الرق وكان ذلك في عهد في عهد الرئيس الموريتاني السابق محمد خون ولد هيدالة ولكن ضمور الدولة في الحس الوطني وتضخم القبيلة والفيئة جعل قوانين الدولة تبقى حبرا على ورق وخاصة في أطراف الدولة حيث ما يزال النظام القبلي والفيئوي المسيطر.
هذه الازدواجية وعدم قدرة الدولة أو حتى قل عجزها في فرض إرادتها وقوانينها على مجتمعات اللأطراف ،شكلت أرضية سانحة لتحريك الملف من طرف الحقوقيين الجدد ،إلا أن دعوة هؤلاء للإنعتاق وفك الأغلال عن بني جلدتهم وهذا حق بديهي لهم ،جعلهم في رأيي يحشرون أنفسهم في زاوية حرجة ومكمن الحرج هو أنهم انتهجوا خطابا عنيفا مما سمح لخصومهم أن يصفوه بالخطاب العنصري ،في حين أن هذا الخطاب الموسوم بالعنصرية يقابله سلوك لا يقل خطورة عنه وهو ما أسميه بالممارسة العنصرية الصامة التي يمكن أن يقال إنها من بقايا رواسب تلك الحقبة الظلماء التي استعبد فيها الإنسان أخاه الإنسان .
والتحدي من وجهة نظري يكمن في إيجاد أرضية للحوار بين متبني الخطاب الموصوف من طرف خصومه بالعنصري المشتت والمهدد للوحدة الوطنية على حد قول خصومهم وبين الممارسة العنصرية التي يمكن أن توصف بالضبابية والرمادية تجعل عملية القضاء على ظاهرة الرق في موريتانيا مسألة شائكة ومعلوم أن الإعتراف بالمرض والوضوح أول خطوات العلاج .
وفي تصوري أن الأرضية المشتركة يمكن أن نلمسها حين نتفحص جميعا التجارب الناجحة التي استطاعت الشعوب فيها التغلب على الظاهرة (المناضل الامركي والحقوقي مارتن لوثركينك والزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا ا ) وبالنظر إلى التجربتين فإننا نضع أيدينا على المفتاح الذي هو بمثابة "الكود "لتدمير النظام العنصري المقيت ،ويتمثل في خلق خطاب إجماعي وحراك يمتزج فيه الرجل الأبيض (السيد) والأسود الضحية (العبد) ،حيث غصت الساحات بأمواج بشرية امتزج فيها الابيض والاسود في طريق واحد هو طريق الحرية والمساواة بين بني الإنسان .
ولا شك أن أبناء موريتانيا من الوعي والنضج الفكريين ما يجعلهم قادرين على إعطاء النموذج المتقدم في المنطقة كما فعلنا في تجربتنا الديمقراطية الرائدة وما لم يتحرر خطاب دعاة التحرر والانعتاق من إقصاء من يسموهم بالممارسين للظاهرة في عملية القضاء على ظاهرة الرق وفي المقابل ما لم يقض المجتمع على الممارسة الصامة للظاهرة فإن دعوات القضاء على اللإستعباد ورواسبه المقيته ستظل صيحة في واد.